نعم أخواتي..... ما أحوجنا إلى المصارحة؛ فما أكثر ما تمضي بنا أيام هذه الدنيا الفانية دون مصارحة أو عتاب!
ألا ينبغي لنا من وقفة ولو لدقائق معدودة من مئات الدقائق المهدرة نقتطعها لنتصارح بلطيف الخطاب وجميل العتاب؟!
فهل تستكثرون على أختكم الناصحة لكم المشفقة عليكم هذه الدقائق المعدودة؟!
أخواتي..... أناديكم، بل أناشدكم لما أرجوه من خير لكم أن لا تقولوا: لن نستفيد ولو كررت النصح وأكثرت الموعظة، ولكن بثبات الواثق قولوا: نعم سننصت لداعي الحق، فالعاقل من أحق الحق وقبله والجاهل من أغمض عينيه ورده، والحق أبلج والباطل لجج.
حسناً فلنبدأ....
حبيباتي... ألم تلاحظوا يا من تستمعون للغناء أنه: قد يصغي أحدكم لساعات متواصلة لمجموعة من الأغاني، وقد يهتز جسده كله وتتفاعل نفسيته مع تلك الأغاني، ولكنه في الوقت نفسه يصعب عليه للغاية أن يجلس نصف ساعة فقط مع كتاب الله - عز وجل -! مع أنه شفاء لما في الصدور، ومع أنه هدى ورحمة، وهو كلام الله والغناء كلام بشر!
هل سألتم أنفسكم: لماذا تحلو الأغاني في عين أحدكم، ويستمتع بها بينما يصعب عليه جلوسه في تدبر مع القرآن..؟
لأن الله قال: " وزين لهم الشيطان أعمالهم " هذه الحقيقة وهذا بارك الله فيكم ما دعوتكم للمصارحة من أجله.
أحبتي..... مصيبة أن نخدع أنفسنا. يا لها من مصيبة، والمصيبة العظمى إيهامها بأن هذا الخداع ميزة ومجد وفضيلة!
فأين نذهب بأنفسنا؟! ولمصلحة من نخدعها ونغشها؟!
الأغاني هم وضيق، بل وحياة ضنك لأنها إعراض عن ذكر الله، وقد قال الله: " وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ".
الأغاني حقيقتها حسرة وألم، وإن كانت هناك نشوة فإنها نشوة مزيفة من فعل الشيطان ما تلبث أن تطير وتذهب في الهواء؛ لكن الذنب لن يطير في الهواء بل سيدونه الملك في كتابك.
اسمعوا إحبتي... هذا الخطاب الرباني لإبليس اللعين.. قال - تعالى -: " وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ".
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره: وقوله - تعالى - " واستفزز من استطعت منهم بصوتك " قيل هو الغناء قال مجاهد باللهو والغناء أي استخفهم بذلك.
وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله - تعالى -: ومن مكائد عدو الله ومصائده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين، سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة، ليصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن القرآن، وهو رقية اللواط والزنى، وبه ينال الفاسق من معشوقه غاية المنى، كاد به الشيطان النفوس المبطلة وحسنه لها مكراَ وغروراً، وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه، فقبلت وحيه، واتخذت لأجله القرآن مهجوراً.. انتهى كلامه - رحمه الله -.
ثم ما ذا يعقب ذلك؟! تزول تلك النشوة الباطلة والفرح الموهوم وتبقى حسرة المعصية و تذهب الفرحة المزعومة ويبقى الذنب مسجلا في صحيفة الأعمال وبعض الناس يفخرون بالغناء ويهمهمون به مفتخرين به شامخين به الرأس وهذا هو واقعهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأي فخر... أيفخرون بمعصية الله؟!
بل من تفاهة ما يقرأ و يسمع الإشادة بالفنانين والفنانات وأنهم نجوم!
ولقد علمنا أن النجوم علية المكان ويستهدى بها، وهولاء القوم إنما يضلون ولا يهدون.
ويحشر الناس يوم القيامة كل مع من يحب. أفيسرك والناس يحشرون مع الأتقياء أن تحشر مع المطربين الزمارين، فإن المرء يحشر مع من أحب كما قال - صلى الله عليه وسلم -.
ولقد تلاعب الشيطان بهؤلاء الغافلين من الفنانين والفنانات... فإنهم يرون الفن رسالة وتربية للأجيال!
وهي فعلاً رسالة ولكن رسالة دمار وتربية على العار،... فإذا سمعت فقط كلماتها أدركت أنها رسالة شيطان وإنها تدعو للقاء المحرم بكل وضوح وبأي طريقة، وتدعو إلى التطاول على كل نبيل وتسعى نحو تمزيق الفضيلة كل ممزق.. فوالله صدق من أسماها رقية الزنا.
أيها الأحباب... أما قرعت أسماعكم هذه الآية العظيمة؛ قال الله - تعالى - " وَمِنَ اَلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الحديث ِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اّللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمِ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ " قال بعض المفسرين لهذه الآية يشتري لهو الحديث بدينه وماله ووقته.
وقد أقسم عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وهو من أعلم الصحابة - رضي الله عنهم -، على أن ((لهو الحديث)) هو الغناء.
وقد قال - صلى الله عليه وسلم - مبيناً ومحذراً من هذا الداء الذي يستلطفه الكثير اليوم... قال - عليه الصلاة والسلام - " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير و الخمر و المعازف " فيدل هذا على أنها أشياء محرمة و سيأتي زمن يستحل فيها الناس هذه المحارم، وهو واقعنا اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: " ليشربن أقوام من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم قردة وخنازير ". قال الشيخ الألباني - رحمه الله - تعالى -: صحيح.
أحبتي... تعالوا لنتصارح حول هذا الموضوع من جهة أخرى
المال المنفق في شراء تلك الأشرطة الغنائية والوقت الذي قضي في الاستماع أليس يسأل عنه العبد يوم القيامة؟!
قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه ".
وأنت تعلم أنه لن ينفعك ذلك اليوم العظيم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين؛ لن ينفعك لا مطرب ولا مطربة إلا ما قدمت من صالح العمل فهل أعددت العدة لملاقاة الله وهل حسبت لذلك حساب؟
وماذا عساك أن تقول يومئذ: إن قلت لا أعلم أنها حرام فأول من تكذب عليه نفسك، ولا عذر لك لأن الأدلة أقوى من أن ترد، وإن قلت أعلم فهل تداركت الخطأ وتبت أم أنك تماديت؟.
فكن عاقلاً فطناً واختر لنفسك اليوم ما تحب أن يكون جواباً لغدٍ.
وربما كان البعض دالاً على الشر والعياذ بالله فيعير الشريط غيره أو يسمعه أحداً معه في بيته أو في سيارته وربما كانوا مجموعة يستمعون لهذا المحرم، وقد قال الله - تعالى - " وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم ".
وقال - صلى الله عليه وسلم - " من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئـًا ".
فانظر عبد الله إلى أن تسير!
وهذه بشرى أسوقها في أثناء مصارحتنا لكل من نوى والتوبة والرجوع للحق أزف له هذه البشرى... إلى من عزم على الإقلاع عن الغناء وتطهير أذنيه من هذا الهراء... أزف إليك هذه البشرى فاقرأ....
قال - تعالى -: {ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون} والحبرة هي اللذة والسماع. وقال - صلى الله عليه وسلم -: " إن الحور العين لتغنين في الجنة، يقلن: نحن الحور الحسان.. خبئنا لأزواج كرام ". قال الألباني حديث صحيح.
وقد نظم ابن القيم - رحمه الله - قول ابن عباس - رضي الله عنهما - في أبيات در رائعة:
قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان
فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزان
يا لذة الأسماع لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان
واهاً لذياك السماع فكم به للقلب من طرب ومن أشجان
نزه سماعك إن أردت سماع ذياك الغنا عن هذه الألحان
حب الكتاب وحب الحان الغنا في قلب عبد ليس يجتمعان
والله إن سماعهم في القلب والإيمان مثل السم في الأبدان
والله ما انفك الذي هو دأبه أبدا من الإشراك بالرحمن
فالقلب بيت الرب جل جلاله حبا وإخلاصا مع الإحسان
فإذا تعلق بالسماع أصاره عبداً لكل فلانة وفلان
منقول